بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) ﴾
أعزائي المشاهدين ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أحييكم من قناة وإذاعة المحراب من مدينة السليمانية في إقليم كردستان ، عاصمة الثقافة .
ويسرنا باسم قناة المحراب ، وإذاعة المحراب أن نرحب بضيف علم من أعلام وعلماء أمة الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم ، عالم بدأ بالعلم منذ الصغر ، وكان والده رحمه الله من علماء دمشق ، وجده من أولياء الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم .
نرحب بفضيلة الدكتور الشيخ محمد راتب النابلسي في هذا اللقاء الخاص في قناة المحراب ، مرحباً بكم فضيلة الدكتور .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم ، وحفظ لكم بلدكم .
حياكم الله ، وبارك الله بكم ، وسررنا بهذه المقابلة المباركة العطرة في هذه الأمسية العطرة الذي تفضلتم علينا بها .
أولاً : ما رأيكم بمدينة السليمانية أو بالأحرى بإقليم كردستان ؟ ما هو انطباعكم أثناء زيارتكم لهذه المدينة ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
بسم الله الرحمن الرحيم .
انطباعي إيجابي كله ، يوجد تدين حقيقي ، هذه أول ميزة ، وذكاء في التعامل ، و تراث عندكم ، هذه أشياء ثلاث تعطي أصالة لهذا البلد الطيب ، الدين هوية ، فإذا كان الناس مع الدين ، الدين ليس محارباً في هذا البلد ، هذه نعمة كبيرة جداً ، الدين مقبول ، والدين مدعوم، والدين منهج ، والدين مصير ، والدين رقي ، والدين استقامة ، والدين انضباط ، والدين تألق ، هذا كله إيجابيات ، لأنك أنت مع الله ، مع الخالق ، مع البارئ ، مع المصور ، مع الذي يعلم السر وأخفى ، مع الذي خلقنا لجنة عرضها السماوات والأرض ، مع الذي يحب عباده جميعاً ، فكلما أحببت العباد و كنت في خدمتهم اقتربت من الله .
(( عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الخلق عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله ))
[ أخرجه أبو يعلى والبزار ]
فالعالم أراد هداية الناس ، أراد الأخذ بيدهم ، أراد حل مشكلاتهم ، هذا العمل الإيجابي يرقى به عند الله ، وعند الناس .
فضيلة الدكتور ؛ طبعاً مدينة السليمانية ، أو بالأحرى إقليم كردستان ، تخرج منها أو خرج منها العديد من العلماء ، ومن المجاهدين ، طبعاً منهم الشيخ المجاهد صلاح الدين الأيوبي ، الذي حرر بيت المقدس ، و هناك طبعاً علماء كثر ، منهم مولانا خالد النقشبندي ، و هو أيضاً مدفون في دمشق ، والشيخ عبد الرحيم مولوي ، و له مسموعيات معروفة ، علماء كثر، وأحمد الشيخ رئيس الطريقة القادرية ، والشيخ عبد الكريم المدرس ، وقد ألّف أكثر من مئتي كتاب .
طبعاً في هذا العصر ، و هذه الآونة دكتور ، وخاصة في البلاد العربية ، وبالبلاد الإسلامية عامة ، طبعاً نزل بلاء على هذه البلاد ، وهو الوباء الذي عمّ هذه البلاد كافة ، برأيكم هل هذا امتحان أم بلاء ؟
الوباء الذي عمّ البلاد هو رسالة من الله عز وجل للبشر :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أنا أراها رسالة من الله عز وجل ، دولة قوية ، إلى جوارها دولة تناوئها ، ماذا تفعل هذه الدولة القوية ؟ تقيم عرضاً عسكرياً ، طيران ، صواريخ ، هذا العرض العسكري رسالة من هذه الدولة القوية إلى الدولة التي تناوئها ، أنا أفهم الفيروس الذي نحن نعاني منه في كل بقاع الأرض رسالة من الله ، لأن البشر غرقوا في وحل الأرض ، الوحل بالفكر شبهات ، وبالحركة شهوات ، هذا وحل الأرض ، غرق المسلمون في شتى ديارهم بوحل الأرض ، مصالح ، متاعب، أشياء ممتعة ، شاشة مفتوحة ، تعاون لا يرضي الله عز وجل ، هذا أنا أسميه : وحل الأرض ، الله عز وجل أراد أن يلفتنا إلى وحي السماء ، بالسماء يوجد مبادئ وقيم ، بالأرض يوجد مصالح وشهوات ، وحل الأرض مصالح و شهوات .
مثلاً يكون هناك شعب مظلوم ، ويقهر قهراً ، والدول العظمى بهاتف تلغي هذا القهر ولا تفعل ذلك .
برأيك دكتور ؛ كيف تكون استقامة الشباب على العبادة في هذا الوقت ؟
كيفية استقامة الشباب على العبادة في هذا الوقت :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أخي الكريم ؛ أنا أحياناً أحبّ أن أتكلم بالحقيقة المرة ، لأني أراها أحياناً أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، الشباب يحتاجون إلى خطاب ديني عميق يحقق حاجاتهم ، من زواج ، من مسكن ، من مأوى ، من بيت ، فإذا لم يحقق الخطاب الديني حاجات الشباب

الشباب أمل الأمة ، الشباب قوة الأمة ، الشباب مستقبل الأمة ، هؤلاء الشباب بحاجة ماسة إلى ثلاثة أشياء؛ زوجة ، وفرصة عمل ، ومسكن ، ولو كان عبارة عن ستين متراً ، إذا أمنّا للشباب مسكناً ، و فرصة عمل ، وزوجة ، أعطونا كل ما عندهم ، وكانوا في خدمة هذه الأمة ، وفي خدمة تقدمها، ومناعتها ، وتألقها ، أما إذا وجدوا أنفسهم لا يوجد أمل في شراء بيت ، ولا يوجد عمل ، ولا يستطيع الزواج ، صار هناك تفلت ، التفلت نوعان ؛ تفلت تشددي تكفير وتفجير ، أو تفلت إباحي ، فالتفلت إما إباحية ، أو تكفير وتفجير ، أما إذا بحثنا عن فرص عمل لهم ، أنا مثلاً أعرف أحد المحسنين في بلد إسلامي ، أنشأ أربعة أبنية ، كل بناء من عشرة طوابق ، والطابق ست شقق ، والشقة عبارة عن ستين متراً ، وأي شاب يأتي بحسن سلوك من عالم رباني يعطيه هذا البيت بأجرة رمزية ، هؤلاء الشباب عندما تملكوا بيتاً خطبوا وتزوجوا ، فكم بنت تزوجت ؟ و كم شاب سُتر ؟ هذا عمل عظيم ، سيدي الأغنياء إن لم يفكروا في أعمال كبيرة ، أعمال تحل مشكلات الأمة ، يكونوا قد أخطؤوا خطأ كبيراً ، لأن النبي الكريم قال :
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كلّ خير ، احرِصْ على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزْ ، وإن أصابك شيء فلا تَقُل : لو أنَّي فعلتُ لكان كذا وكذا ، ولكن قل : قَدَّر الله وما شاءَ فَعَل ، فإن ' لو ' تفتحُ عَمَلَ الشيطان ))
الله جبّار خواطر .
القوة ثلاثة أنواع ، قوة المال ، وقوة العلم ، وقوة المنصب ، فإذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً ، لأن المؤمن لماذا جيء به إلى الدنيا ؟ من أجل العمل الصالح ، لأن المؤمن القوي خياراته في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى ، ممكن أن تفتح مأوى للعجزة ، تفتح ميتماً ، تؤسس مثلاً معهداً شرعياً ، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق ، والإنسان حجمه عند لله بحجم عمله الصالح ، وسمي صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة .
عفواً ؛ لو أن أباً ميسوراً أرسل ابنه إلى باريس لينال الدكتوراه من السوربون ، هذا الشاب في باريس أكبر مدينة بأوروبا علة وجوده الوحيدة ما هي ؟ الدراسة ، هذا لا يمنع أن يدخل إلى مطعم ليأكل ، إلى حديقة ليجلس ، أن يقتني كتاباً ، أما علة وجوده فهي الدراسة ، الآن نحن بالكتاب والسنة ما علة وجودنا في الدنيا ؟ لماذا نحن في الدنيا ؟ صدق ولا أبالغ السؤال طُرح على شريحة كبيرة جداً ، ثلاثة بالمئة عرفوا الجواب ، الله قال :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ( 56 ) ﴾
العبادة إما شعائرية كالصلاة ، والصوم ، والحج ، والزكاة ، أو تعاملية مثل كسب المال ، إنفاق المال ، اختيار الفرع في الجامعة ، اختيار الزوجة ، تحجيب البنات ، تيسير فرص عمل لأولادك ، أي يوجد أعمال بطولية لا تعد ولا تحصى ، فنحن إذا عرفنا سرّ وجودنا و غاية وجودنا ، ومهمتنا كأب صارت الحركة رائعة جداً ، الأمة تتقدم ، وهذا الوطن يتقدم ، أما إذا كان نحن خضعنا لمؤامرات الآخر ، بإفساد أخلاقنا ، يوجد مشروع غربي كبير لإفساد المسلمين ، لتفكيك أسرهم ، لإبعادهم عن دينهم ، عن مبادئهم ، عن قيمهم ، فإذا ضعفوا بترك دينهم يسهل أن يُتحكم بهم .
نحن نرى فضيلة الدكتور الآن على الساحة العربية أغنياء كثر ، و لكن لم يزالوا باستمرار في المعاصي ، وهناك طرف آخر يعاني من الفقر الشديد ، كيف يكون تأثير الدعاة على هؤلاء الناس ؟
ضرورة الخطاب الديني الصادق لمعالجة مشكلات المجتمع :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
لا بد من خطاب ديني ، صادق ، عميق ، مدلل ، دوري ، يعالج مشكلات المجتمع ، أنا بكل أسف أقول لك : ما نجح الخطاب الديني المعاصر بحلّ مشكلات الأمة ، أما أنا فيجب أن أبحث عن فرص عمل للشباب .
أنا عندما كنت بالشام عملت مكتب زواج ، وحققنا نتائج مذهلة ، وعندي مكتب عمل، أي معمل له صلة معي يسألني عن عمال ، أنه يريد خمسة عمال فأرسلهم له .
فنحن إذا لم نؤمن فرص عمل ، ولم نحقق طموح الشباب ، عندنا مشكلة كبيرة ، الشباب إن لم يتحقق حدهم الأدنى من فرصة العمل ، وبيت ولو كان ستين متراً ، وزوجة يكون هؤلاء الشباب عبئاً على الأمة ، يصير هناك تفلت ، تفلت تشددي ، وتفلت تكفير وتفجير.
الآن يوجد أناس سبحان الله دكتور ، يقول لك : الله سبحانه وتعالى إن شاء الله يغفر لي ، ويبقى مستمراً ، أناس - والعياذ بالله - مستمرون بالمعاصي ، يقول لك : مثلي مثل هؤلاء الناس ، إن شاء الله يأتي يوم والله يغفر لي ويقبل .
التوبة طريق الإنسان لنيل مغفرة الله :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119) ﴾
وتابعوا عملهم :﴿ إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
هذا الجواب الدقيق . الآن يوجد آية ثانية :
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) ﴾
الدكتور محمد راتب النابلسي :
إذا تاب ، هذه الآية يا أخي رائعة جداً ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ ) القنوط من رحمة الله ، واليأس ، والسوداوية ، والتشاؤم ، تقترب من الكفر .
حتى العياذ بالله الإشراك ممكن إذا تاب ؟
التعاون حضارة وقوة ومنعة :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
الشرك سيدي نوع ثان .
(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي ، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ، ولكن شهوة خفية ، وأعمال لغير الله ))
نحن عندنا أمراض سيدي مزمنة ، ومتفاقمة ، لذلك لا نستحق النصر ، نحن سيدي نملك نصف ثروات الأرض بالضبط ، نحن نعيش على أخطر مكان بالعالم ، ملتقى القارات الثلاثة ، نحن عندنا ثلاثة ممرات مائية خطيرة جداً ، قناة السويس ، باب المندب ، وهرمز ، ماذا أقول لك ؟ عندنا موقع استراتيجي ، عندنا ثروات ، نصف ثروات العالم بيدنا ، ومع ذلك أمرنا ليس بيدنا ، وللطرف الآخر علينا ألف سبيل وسبيل ، الوضع مأساوي لدرجة غير معقولة ، لا بد من صحوة ، لا بد من انتفاضة ، لابد من خطاب ديني واضح ، حيادي ، غير متشدد وغير متفلت ، خطاب ديني من أناس :
﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) ﴾
بحاجة إلى خطاب ديني ، بحاجة لصحوة ، بحاجة إلى تعاون ، التعاون حضارة ، التعاون قوة ، التعاون منعة ، أعداؤنا يتعاونون تعاوناً مذهلاً ، ونحن لا نتعاون ، بل نتقاتل .
الحمد لله في مدينة السليمانية ، وبإقليم كردستان ، يوجد طلب للعلم بشكل فظيع جداً.
الدكتور محمد راتب النابلسي :
وهذا وسام شرف لكم .
وخاصة مراكز تحفيظ القرآن الكريم ، أي يطلبون العلم بتشوق ، ما شاء الله ! الآن نحن في نهاية الحلقة لا نريد أن نكثر عليك دكتور ، لا نريد أن نرهقك زيادة ، ما شاء الله بارك الله فيك ، نقول عن الإسراف : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ ) مهما فعل هذا الإنسان في الماضي .
فرح الله تعالى بتوبة عبده المؤمن :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
(( لو جئتني بملء السماوات والأرض خطايا غفرتها لك ولا أبالي ))
(( لله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد ، والعقيم الوالد ، والظمآن الوارد ))
سيدي ! الله ينتظرنا ، الله عز وجل خلقنا ليرحمنا ، خلقنا لجنة عرضها السماوات والأرض :﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا ﴾
ما تركوا معصية ما فعلوها﴿ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ ﴾
و الصلحة بلمحة . (( إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله ))
الله يفرح بتوبة عبده المؤمن .
و نحن دائماً نقول أو يقول الدعاة : أساس الدين هو المحبة ، المحبة بين خلق الله سبحانه وتعالى فما رأيكم ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
سيدي نحن في أمس الحاجة إلى الحب، الحب نوعان ، حبّ في الله ، وحبّ مع الله، الحب في الله عين التوحيد ، والحب مع الله عين الشرك ، الحب في الله أن تحب الله ، أن تحب أنبياءه جميعاً ، أن تحب الرسل جميعاً ، أن تحب العلماء الربانيين جميعاً ، أن تحب العمل الصالح ، أن تحب زوجتك ، وليس غير زوجتك ، أن تكون قيوماً على بيتك ، بنود الاستقامة والعمل الصالح لا تعد ولا تحصى ، فإذا كنت كذلك ، وفلان كذلك نهض المجتمع ، نحن نتلقى ثقافتنا من الشاشة ، هذا خطأ ، وراء الشاشة فكر ، فكر مخطط لتفكيك الأسرة الإسلامية ، فكر مخطط لإشاعة الإباحية ، فكر مخطط لتسخيف الأسرة ، وتقديس العلاقة خارج نطاق الأسرة ، هذا كله بالأفلام ، و الفيلم عنده قدرة يلغي لك ثوابتك ، ويعطيك ثوابت جديدة ، فمادام الإعلام هو المتحكم لا يوجد أمل .
الإعلام سيدي ؛ عندنا تلميع إعلامي ، وتضليل إعلامي ، وتعتيم إعلامي ، أما الإعلام الموضوعي فنحن بحاجة ماسة له ، أن تصف ما وقع ، فنحن بحاجة لإعلام معه رسالة، إعلام بأيد أمينة ، إعلام لا يسخف الحق ، ولا يروج للباطل ، ما دام عندنا إعلام يجب أن يكون مدروساً ، ومحققاً ، أما ما الذي يحكم الناس الآن ؟ الشاشة ، الشاشة هي الحاكمة ، هي تفكك المبادئ الثابتة ، وتسهل المعاصي والآثام ، هذه الشاشة إذا كانت هي مصدر ثقافتنا لا يوجد أمل والله ، إلا لنرجع إلى العلماء الربانيين ، إلى كتبهم ، إلى دروسهم ، إلى لقاءاتهم ، لا بد من صحوة إيمانية تتبدل بها القيم التي أريدت لنا ، والتي جاءتنا من الغرب .
سيدنا ؛ في نهاية هذا اللقاء نريد كلمة ، نصيحة لهؤلاء الشباب ، وهؤلاء العصاة .
الشباب أمل الأمة ومستقبلها :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أكبر كلمة أقولها : ما من شيء أحبّ إلى الله تعالى من شاب تائب ، إن الله ليباهي الملائكة بالشاب التائب يقول : انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي ، الشباب أمل الأمة ، مستقبل الأمة ، قوة الأمة ، هذا شيء مهم جداً ، ويجب أن نسعى كأصحاب أعمال ، كمسؤولين، أن نهيئ للشباب فرص عمل ، وزواجاً ، ومسكناً بسيطاً ، إن ملكناهم ذلك أصبحوا قوة بيدنا ، فإذا يئسوا من تأمين زواج أو فرصة عمل أصبحوا قوة ضدنا .
سبحان الله ! مثلاً في هذا الموسم من الشتاء طبعاً ترى أنت ما نزل بالمخيمات ، و بعض المهجرين ، ماذا تقول ؟
حاجة المسلمين اليوم إلى صحوة وتدين حقيقي :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أنا أقول شيئاً مؤلماً جداً : أراد الأقوياء أن يبقوا كذلك ، لأنهم يكسبون مساعدات بأرقام خيالة ، ولا تعود للاجئين ، يوجد مشروع نقل اللاجئ من خيمة إلى بيت ، حورب هذا المشروع ، أن يبقى بهذه الخيمة عشر سنوات ، والعالم أحياناً ينفق مليارات ، مليارات ممليرة على أشياء تافهة ، على أشياء فنية ، فعندنا مشكلة كبيرة جداً ، نحتاج إلى صحوة ، إلى إخلاص ، إلى تجرد ، إلى تدين حقيقي ، إلى إيمان بالآخرة ، إلى إيمان بالخالق العظيم ، إلى ترجمة التدين إلى خيرات تعم الأمة .
لا إله إلا الله .
فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي نشكرك على هذا اللقاء ، ولكن قبل أن نختم نرجو منك دعاء لهذه الأمة .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله أنا أحمل انطباعاً جميلاً عن هذا البلد الطيب ، أدعو من أعماقي ليحفظ الله لهذا البلد قوته ، واستقلاله ، وتقدمه ، وتطوره ، وأن يحفظ لهذه الأمة في هذا البلد إيمانها ، وأهلها ، وأولادها ، وصحتها ، ومالها ، ويحفظ كل شيء أنت حريص عليه ، وأنا متفائل بوعد الله بنصر المؤمنين ، قد تكون المعطيات لا تدعو للتفاؤل ، لكن المؤمن يؤمن بإله عظيم بيده كل شيء .
(( ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ))